
-ان فرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون، تدافع عن استقلال أوروبا (ككتلة موحدة) عن المنافسين التجاريين مثل الصين والولايات المتحدة في كل شؤون الدفاع والسياسة من الأمن إلى التقنيات المتقدمة.
إن فوز ترامب يمنح ماكرون “سبب وجود” جديدا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتجارة والأمن. ومع ذلك، كان ماكرون من أوائل القادة الأوروبيين الذين هنأوا ترامب بعد فوزه، بينما كان من يخطط أيضا أن يلقي كلمة أمام قمة أوروبية في المجر ردا على رد الفعل العنيف الأوروبي حول الانتخابات الأميركية. ويصور هذا التوجه حالة عدم اليقين المستقبلية في العلاقات بين فرنسا وأميركا، حيث تحاول الأولى أن تكون لديها مقاومة جدية دفاعا عن مصالحها.
وبعد الاجتماع المجري، أعلن ماكرون، الذي شعر بخيبة الأمل إزاء رد الفعل الأوروبي، أنه سيعمل مع المستشار الألماني أولاف شولتز على أوروبا أكثر اتحادا، وهو الأمر الذي لا يبدو مرجحا بالطبع إذا ما أخذنا الوضع الداخلي غير المنظم في ألمانيا على محمل الجد.
وعلى عكس ادعاءات ماكرون المفعمة بالأمل، فإن الرأي السائد في أوروبا هو أنه مع فوز ترامب، يجب عليهم تسليم جيوسياستهم إلى أمريكا، في حين أنه من قبل لقد تركوا نموهم الاقتصادي للصين. ولذلك فإن رأي فرنسا الداعي إلى الاستقلال الأوروبي، وخاصة ضرورة تحمل مسؤولية الأمن والدفاع عن القارة الخضراء، وهو ما تبلور في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، له مؤيدون ومعارضون جديون في الكتلة الأوروبية.
إن فوز ترامب يعني تغييرا في الوضع الحالي في أوكرانيا، وإذا اتخذ ترامب، كما هو متوقع، إجراءات ضد أوكرانيا، فإن هزيمة أوكرانيا أمام روسيا تعتبر هزيمة أوروبا. ولا تستطيع أوروبا أن تملأ الفراغ الذي خلفته أميركا فيما يتصل بالمساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا. ومن ناحية أخرى، يريد ترامب حل الصراع الأوكراني مباشرة مع بوتين. ورغم أن وعد ترامب بإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لكييف لن يتحقق بين عشية وضحاها، فإن مجرد الحديث عن هذا الأمر سوف يعرقل بشكل خطير التوقعات الاستراتيجية. ونتيجة هذا الوضع الجديد سوف تخلق واقعا جديدا ليس فقط في أوروبا بل في العالم أجمع. ومع تعليق المساعدات لكييف ودعم ترامب لبوتين، تضطر أوكرانيا إلى التفاوض مع روسيا من موقع الضعف، والنتيجة 100% ليس أوكرانيا فحسب، بل أوروبا سوف تواجه أمنا جديدا سمة سهولة أي تعدي على أراضي هذه القارة.
الفناء الخلفي لروسيا
ما يريده ماكرون هو منع أوروبا من أن تصبح الفناء الخلفي لروسيا، وهو واقع من المرجح أن يحدث مع أحادية ترامب. ويدرك ماكرون أنه إذا تمت دعوة أوكرانيا إلى طاولة المفاوضات بين ترامب وبوتين، فسيكون ذلك بمثابة صفعة مباشرة للأوروبيين، الذين هم مستبعدون حتى عن تحديد مصيرهم في أوكرانيا.
ورغم أن جهود ماكرون لا تتعارض مع العلاقات الطيبة عبر الأطلسي، إلا أن العديد من القادة الأوروبيين، وخاصة أوروبا الشرقية، المعرضون بشكل مباشر للخطر الروسي، لا يدعمون وجهة نظر ماكرون الاستقلالية لأنهم يعتبرون العلاقات عبر الأطلسي مع أمريكا ضمانة لبقاء واستمرار السلام والازدهار في بلادهم. ونتيجة لذلك، فإن اقتراح _استراتيجية الموقف الأوروبي الشامل ضد أمريكا في عهد ترامب_ الذي اقترحته فرنسا ماكرون قد يفاقم الوضع الأمني الحالي في أوروبا وذلك من خلال اشتداد الصراعات بين البلدان العضو وهو ما يشبه التناقضات الخطيرة في وجهة نظر المجر والدول الأعضاء الأخرى، الأمر الذي يجعل من المستحيل حتى التهدئة في الاجتماعات الأوروبية العادية.
وعلى عكس الصراعات الأمنية، من حيث الأحزاب الحاكمة، أصبحت أوروبا موحدة أكثر فأكثر وتتجه نحو الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات النزعات الفاشية والقومية. ولم تكن فرنسا استثناء، واضطر ماكرون إلى تقاسم الجمعية الوطنية للبلاد مع اليمين المتطرف.
ولذلك، فإن شعار ترامب “أمريكا أولا” لم يقسم أوروبا فحسب، بل وأيضا فرنسا، وأدى إلى تغذية موجة جديدة من اليمين المتطرف. ومع تزايد العنف الاجتماعي ضد الهجرة والتضخم في مرحلة ما بعد كورونا والحرب في أوكرانيا، أصبح انعدام الأمن نارا تحت الرماد في المجتمعات الأوروبية، بما في ذلك فرنسا.
ومع صعود موجة اليمين المتطرف، تضاءل ارتباط المواطنين الأوروبيين بالليبرالية الأوروبية ودعم المدافعين عنها في الحزب الديمقراطي الأمريكي. ولذلك، لا ينبغي اعتبار صوت الأقلية من القادة الديمقراطيين الأوروبيين (وخاصة أصوات ماكرون) بمثابة صوت الشعب الأوروبي والمواطنين الفرنسيين الداعمين للأوروبية والتعددية. إن شعوب أوروبا تريد أن يتسلم من يشبهون ترامب السلطة في بلدانهم، ومن المثير للاهتمام أنهم يريدون أن يفوز الديمقراطيون في أمريكا. وهذا التناقض هو السبب الرئيس لمعارضة الشعب الفرنسي لفكرة ماكرون الأوروبية.
الفوضى
من أجل فهم الوضع الأمني المستقبلي للعالم بشكل أفضل، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن واقع أوروبا وفرنسا اليوم يتكون من الأخبار المزيفة، وجميع أنواع العنف، والإهانات العلنية، والتشكيك المستمر في القانون، والمخدرات، والبطالة، لدى السكان الحضريين. لقد سئمت الطبقة الوسطى من تشويه السمعة والحرمان، والرغبة في الانتقام من القادة والأغنياء، وأوهام المؤامرة، وكراهية الأجانب، والرغبة في أسلوب حياة ذكوري والسيطرة على السلطة. في كلمة واحدة، الفوضى. لذلك، حتى مارين لوبان، ممثلة اليمين المتطرف في فرنسا هذه المرة، تفاعلت بحذر مع فوز ترامب.
لوبان تعلم ذلك: أولا، لا يمكنها الاستيلاء على بلد أدت كلماته وسلوكيات ترامب الاستفزازية إلى صب زيت العنف على ناره. ثانيا، يتعين عليها أن تبدو أكثر اعتدالا حتى تتمكن من جذب الناخبين الذين يعارضونها بسبب مواقفها العنصرية والمعادية للسامية. ثالثا، لم يكن دعم لوبان لترامب مناهضا لفرنسا أبدا، وتدرك لوبان أن تنفيذ التعريفات الجمركية التي يقترحها ترامب سيضر بشكل خطير بالمصالح الصناعية لفرنسا.
ومن هذه التصريحات يمكن الاستنتاج أن فرنسا، بعد فوز ترامب، ترى أن أمنها الداخلي والخارجي غير مستقر إلى حد كبير. إن أمل قادة هذا البلد هامشي للغاية، لكن مع حالة المعارضة التي يواجهونها في الداخل، ليس لديهم خيار سوى التشبث بحبل الاتحاد الأوروبي البالي. وفي الوقت نفسه، لا يزال ماكرون يأمل أن يتمكن من ترك انطباع لدى ترامب، ولهذا السبب، سيحافظ على علاقات جيدة بين فرنسا والولايات المتحدة. لكن يمكننا أن نرى أن دور فرنسا وماكرون هامشي جدا في رأي ترامب بحسب خططه المعلنة.
المصدر: موقع ديبلماسي إيراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات