
-ان العلاقات الدولية هي مجموعة ونظام من الفاعلين، وكيفية تصرف الفاعلين وبيئتهم ومساحة عملهم. يتصرف الفاعلون معا أو ضد بعضهم البعض. وتكون هذه التصرفات سلمية في بعض الأحيان ومعادية في أحيان أخرى. هذا ويعد الائتلاف والتحالف بين الفاعلين قضية مهمة وتستحق الاهتمام للباحثين في العلاقات الدولية والقائمين بقضايا السياسة الخارجية.
وبما أن العلاقات الدولية هي ظاهرة ديناميكية وحيوية، تبعا للتقلبات التي تشهدها علاقات القوة بين مختلف الأطراف، فإن هذا السؤال يلفت الانتباه: كيف يمكن تحليل قضية وظاهرة الائتلاف والتحالف في العلاقات الدولية المعاصرة؟
وردا على ذلك يمكن اقتراح ثلاثة مواضيع: استقرار واستمرارية الائتلافات والتحالفات في العلاقات الدولية، والأشكال والهيئات المختلفة للتحالفات والائتلافات في العلاقات الدولية، والهياكل الجديدة للتحالفات والائتلافات في العلاقات العالمية.
يعتبر الائتلاف والتحالف ظاهرة مستقرة في تاريخ علاقات القوة في العالم. تصبح الوحدات السياسية المختلفة أكثر قدرة على الائتلاف والتحالف مع بعضها البعض وتكتسب قوة وهوية معينة.
ولعل أهم تحالف وائتلاف يمكن اعتباره أمرا مفروغا منه هو الولايات المتحدة الأمريكية. أمريكا اتحاد دول وليس ولايات. وفي ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وفي بعض النصوص والعقود القانونية، بما في ذلك عقد الدفاع الأمريكي الإيراني لعام 1959، تم استخدام عبارة “الدول المتحدة الأمريكية” للإشارة إلى الولايات المتحدة.
وفي الواقع، كانت أمريكا في الأصل اتحادا يضم 13 دولة، ثم أصبح فيما بعد اتحادا يضم 50 دولة. إن تأصل التحالفات والائتلافات في تاريخ العلاقات الدولية يعتمد على تعريف الذات والعدو. ولذلك كانت الهوية والمنفعة مفهومين مركزيين في تكوين واستمرار التحالفات والائتلافات.
تاريخ العلاقات الدولية
في تاريخ العلاقات الدولية، تشكلت الحروب والائتلافات والتحالفات. حربان مدمرتان وحاسمتان، الحربان العالميتان الأولى والثانية، بدأتا وانتهتا حول تحالفات وائتلافات. كما قامت الحرب الباردة على التحالفات والائتلافات، ومن المثير للاهتمام أنه في فترة ما بعد الحرب الباردة، أي في العقود الثلاثة الأخيرة، يظهر استقرار التحالفات والائتلافات في مختلف المجالات على شكل مؤسسات دولية مختلفة الاشكال. وللتحالفات والائتلافات أشكال مختلفة، ويمكن ذكر تشكيلين على الأقل: التحالفات الثنائية والائتلافات والتحالفات والائتلافات المتعددة الأطراف.
وفي البعد الثنائي، سعى عدد من الجهات الفاعلة ذات القوى العظمى إلى إقامة تحالفات عسكرية. ولعل أهم التحالف العسكري هو التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني. وما نراه في غزة ولبنان من قتل الناس هو انعكاس ومظهر لهذا التحالف العسكري. لكن هذا لا يقتصر بأي حال من الأحوال على أمريكا والكيان الصهيوني.
تمتلك أمريكا أكبر عدد من الائتلافات والتحالفات العسكرية الثنائية في العالم، بحيث نتمكن من الحديث عن مجموعة وأنظمة التحالفات العسكرية الثنائية للولايات المتحدة مع الدول المختلفة. إن كلا من التحالفات والائتلافات العسكرية الثنائية الأميركية تتمتع بتاريخ عريق وبعيد المدى في حد ذاتها.
ومن أهمها التحالف العسكري الأمريكي الياباني الذي دخل حيز التنفيذ عام 1952 وكان نهاية للاحتلال العسكري الأمريكي بين عامي 1945 و1952. لكن هذه المعاهدة العسكرية أدت في الواقع إلى شكل وطبيعة النظام السياسي في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ومع إقرار دستور البلاد، واستنادا إلى مادته التاسعة، تم حرمان اليابان من امتلاك الأسلحة الهجومية.
وفي منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط، شكلت التحالفات الثنائية لأمريكا مع الشركاء العرب البنية الأمنية للمنطقة من وجهة نظر واشنطن، ومن المثير للاهتمام أن بعض أصدقاء أمريكا في المنطقة يريدون تعميق التحالف العسكري مع تلك الدولة.
وينبغي أن يقال إن القوى العظمى الأخرى تتبع أيضا وتعقد تحالفات واتفاقيات عسكرية ثنائية. ومن الأمثلة على هذا النوع من التحالفات والائتلافات، التحالف العسكري الروسي مع بيلاروسيا، وتحالف الصين مع كوريا الشمالية وباكستان. وينبغي أيضا النظر في الشكل المتعدد الأطراف للتحالفات العسكرية. الناتو هو اتحاد عسكري ظل يتوسع يوما بعد يوم خلال السبعين عاما الماضية من تاريخه.
حلف وارسو
ومن المثير للاهتمام أن حلف وارسو الذي تأسس عام 1955 معارضا لحلف شمال الأطلسي في الكتلة الشرقية وانتهى بانتهاء الحرب الباردة في يوليو 1991، إلا أن الناتو لم يبقى فحسب، بل توسع أيضا وفي بيان قادته في يوليو هذا العام، أي 2024 في واشنطن، تناول بطريقة أو بأخرى الحاجة إلى توسيع نطاق عمله ليشمل المحيط الهادئ والهند. يعد حلف شمال الأطلسي، باعتباره تحالفا بين تحالفين عسكريين، أحد التغييرات الرئيسية في بداية الحرب واستمرارها في أوكرانيا.
وفي العصر الجديد للعلاقات الدولية، وجدت الائتلافات والتحالفات وجوها ومظاهر جديدة. من وجهة نظر شاملة، بينما يستمر الائتلاف والتحالفات العسكرية، فإن كلمتي الائتلاف والتحالف تستخدمان أيضا في الميادين والمجالات المدنية. أطلقت دول مثل إسبانيا وتركيا “تحالف الحضارات” في السنوات الأولى من القرن العشرين، والذي أصبح فيما بعد إحدى مؤسسات الأمم المتحدة. وفي عام 2005، قدم كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، تقريرا عن ضرورة تحالف الحضارات، وبعد سنوات قليلة، تم تعيين ممثل خاص لتحالف الحضارات من الأمين العام.
وهناك شكل جديد آخر من أشكال التحالفات والائتلافات وهو الظاهرة المعروفة باسم “التعددية الصغيرة”. وتحالفات مثل الرباعي (أمريكا واليابان وأستراليا والهند)، والتحالف الثلاثي (كوريا الجنوبية وأمريكا واليابان) وما يسمى بمجموعة آي 2 يو 2 وهي الأسماء اللاتينية لكل من الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، اذ تندرج ضمن هذه التعددية الصغيرة والمحدودة.
ويبدو أن هدف هذه التعددية الصغيرة، خاصة في شرق آسيا، هو احتواء ومنع نمو الصين بواسطة أمريكا. ومهما كان الأمر، فإن الائتلاف والتحالف هما جزء مستقر من العلاقات الدولية، ولا يمكن فهم السياسة العالمية دون النظر إلى طبيعتها في خلق القوة وخلق الهوية عبر تاريخ العلاقات الدولية وتطورها وتحولها في صعود وهبوط السلطة في العالم المعاصر.
المصدر: صحيفة اطلاعات
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات